ويمكرون ويمكرو الله
بقلم / السيد سليم
بعد أن تأمر عليه إخوته واجمعوا علي الخلاص منه عليه السلام واتفقوا وتعاهدو ذهبوا بمكرهم الي ابيهم
قالوا: يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف؟ وإنا له لناصحون؛ أرسله معنا غدا يرتعْ ويلعبْ، وإنا له لحافظون. قال: إني ليحزنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون..إنه إحساس الأبوة وفطنة الخلاصاء يراهم علي حقيقتهم
والتعبير يرسم بكلماته وعباراته كل ما بذلوه ليتدسسوا به إلى قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب، الذي يتوسم فيه أن يكون الوارث لبركات أبيه إبراهيم..
يا أبانامالك لا تأمنا على يوسف؟
سؤال فيه عتب وفيه استنكار خفي، وفيه استجاشة لنفي مدلوله من أبيهم، والتسليم لهم بعكسه وهو تسليمهم يوسف. فهو كان يستبقي يوسف معه ولا يرسله مع إخوته إلى المراعي والجهات الخلوية التي يرتادونها لأنه يحبه ويخشى عليه ألا يحتمل الجو والجهد الذي يحتملونه وهم كبار، لا لأنه لا يأمنهم عليه. فمبادرتهم له بأنه لا يأتمنهم على أخيهم وهو أبوهم، مقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر؛ ومن ثم يفقد إصراره على احتجاز يوسف. فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة!
مالك لا تأمنا على يوسف؟ وإنا له لناصحون
قلوبنا له صافية لا يخالطها سوء وكاد المريب أن يقول خذوني فذكر النصح هنا وهو الصفاء والإخلاص يشي بما كانوا يحاولون إخفاءه من الدغل المريب..
أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون
زيادة في التوكيد، وتصويراً لما ينتظر يوسف من النشاط والمسرة والرياضة، مما ينشط والده لإرساله معهم كما يريدون.
ورداً على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب ينفي بطريق غير مباشر أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب:
قال: إني ليحزنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون
إني ليحزنني أن تذهبوا به إنني لا أطيق فراقه.. ولا بد أن هذه هاجت أحقادهم وضاعفتها. أن يبلغ حبه له درجة الحزن لفراقه ولو لبعض يوم، وهو ذاهب كما قالوا له للنشاط والمسرة. وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون
ولا بد أنهم وجدوا فيها عذراً كانوا يبحثون عنه، أو كان الحقد الهائج أعماهم فلم يفكروا ماذا يقولون لأبيهم بعد فعلتهم المنكرة، حتى لقنهم أبوهم هذا الجواب!
واختاروا أسلوباً من الأساليب المؤثرة لنفي هذا الخاطر عنه:
قالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة، إنا إذن لخاسرون
لئن غلبنا الذئب عليه ونحن جماعة قوية هكذا فلا خير فينا لأنفسنا وإننا لخاسرون كل شيء، فلا نصلح لشيء أبداً!
وهكذا استسلم الوالد الحريص لهذا التوكيد ولذلك الإحراج.
ليتحقق قدر الله وتتم القصة كا تقتضي مشيئته!
والآن لقد ذهبوا به، وها هم أولاء ينفذون المؤامرة النكراء. والله سبحانه يلقي في روع الغلام أنها محنة وتنتهي، وأنه سيعيش وسيذكّر إخوته بموقفهم هذا منه وهم لا يشعرون ..لتوقف المشهد عند هذة الصورة لبدء مشهد جديد وهو إلقاء يوسف بالجبيل فالي لقاء مع مشهد البيع والشراء.
