كتب / السيد سليم
وياما في السجن مظاليم. ويسجن يوسف بالرغم من برائته وشهادة الشهود له ولكنها إرادة الله ليكون التمكين.ودخل معه السجن فتيان
يختصر السياق هذا كله ليعرض مشهد يوسف في السجن وإلى جواره فتيان أنسا إليه، فهما يقصان عليه رؤيا رأياها. ويطلبان إليه تعبيرها، لما يتوسمانه فيه من الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك:
قال أحدهما: إني أراني أعصر خمراً؛ وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله، إنا نراك من المحسنين.
وينتهز يوسف هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة؛ فكونه سجيناً لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والأوضاع الفاسدة، القائمة على إعطاء حق الربوبية للحكام الأرضيين، وجعلهم بالخضوع لهم أرباباً يزاولون خصائص الربوبية، ويصبحون فراعين!
ويبدأ يوسف مع صاحبي السجن من موضوعهما الذي يشغل بالهما، فيطمئنهما ابتداء إلى أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علماً لدنياً خاصاً، جزاء على تجرده لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.
هو وآباؤه من قبله.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه:
{قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي. إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون}..
ويبدو في طريقة تناول يوسف للحديث لطف مدخله إلى النفوس، وكياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف.. وهي سمة هذه الشخصية البارزة في القصة بطولها..
قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي.
بهذا التوكيد الموحي بالثقة بأن الرجل على علم لدني، يرى به مقبل الرزق وينبئ بما يرى. وهذا فوق دلالته على هبة الله لعبده الصالح يوسف وهي كذلك بطبيعة الفترة وشيوع النبوءات فيها والرؤى وقوله: {ذلكما مما علمني ربي} تجيء في اللحظة المناسبة من الناحية النفسية ليدخل بها إلى قلبيهما بدعوته إلى ربه؛ وليعلل بها هذا العلم اللدني الذي سيؤول لهما رؤياهما عن طريقه.لنتوقف عند هذا الحد لنواصل في اللقاء القادم طريقته في الدعوة الي ربه
{إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون}..