حكم التهاون في غسل الجنابه
الشيخ محمد عبد اللطيف
ورد عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الذي رواه أبو داود في "سننه" عن عمَّار بن ياسر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ»والمعنى هنا أن ملائكة الرحمة لا تقرب الجنب حتى يغتسل أو يتوضأ، فالذي يتأخر عن الوضوء أو الطهارة وهو جنب لا تقربه الملائكة أي الملائكة النازلون بالرحمة والبركة على بني آدم لا الملائكة المكلفين بالكتابة، فهم لا يفارقون الإنسان.
جديراً بالذكر فقد ورد في حديث آخر للتنبيه عن خطورة هذا الأمر ورد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ» أخرجه أبو داود والنسائي في "سننيهما".
المقصود في هذا الحديث هو الجنب الذي يتهاون في أمر الغسل ويعتاد على ذلك بحيث يؤخر الصلاة عن وقتها، فهذا الأمر يتسبب في هجران الملائكة للبيت، حيث قال العلامة السندي في قول (لَا تدخل الْمَلَائِكَة) أنه قد حمل على الْجنب الذي يتهاون بِالْغسْلِ ويتخذ تَركه عَادَة لَا من يُؤَخر الِاغْتِسَال إِلَى حُضُور الصَّلَاة.ولناء عليه فإن التأخير الذي يترتب عليه تأخير الصلاة عن موعدها حرام شرعًا، وعليه يجب على المسلم أن يسرع بالاغتسال والتطهر حتى لا يؤدي ذلك إلى نفور ملائكة الرحمة والبركة من بيته أو المكان الذي يفطنه.
أيها الأحباب، يجب علينا أن نؤكد في ذات الوقت أنه يجوز للمسلم وهو جنب أن يخرج لقضاء حوائجه ما لم يؤخره ذلك عن الصلاة المفروضة، لأن الجنب ليس بنجس، حيث روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، يَا أَبَا هِرٍّ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».وَهوَ جُنُبٌ؟ قَالَتْ: "نَعَمْ، وَيَتَوَضَّأُ".
تجدر الإشارة إلى أن فقهاء الحنفية يرون أنه يمكن للجنب أن ينام بلا وضوء، حيث قال العلامة الكاساني الحنفي: "ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله، وله أن ينام قبل أن يتوضأ وضوءه للصلاة. إلا أن الشافعية والحنابلة استحبوا للجنب أن يتوضأ ويغسل فرجه إذا أراد أن ينام أو أن يشتغل بأي شئ آخر، فقد روى الإمام البخاري عن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَرْقُدُ .
هذا وبالله التوفيق..